١ - الصمت ولغة الذات :
فنّ لغة الذات ( الصمت ) يتعرض الإنسان في حياتِهِ إلى العديدِ من المواقف والظروف المختلفة الّتي قد تتطلب منه التصرّف بحكمة والتحلي بالّصمت ،
إلّا أن الصمتَ مهارة وفنّ لا يستطيع الجميع امتلاكه واتقانه ، بل يعتبره البعض مهارةً صعبة التعلّم ، وتحتاج إلى الكثير من التدريب المستمر ، أمّا الصّمت بشكلٍ عام فلا يُعتبر دليلاً على الضّعف بل قد يكون من أقوى أنواع الردود وأكثرها مناسبةً لبعضِ المواقف الّتي من الممكن أن يتعرض لها الفرد ، والمقصود هنا بالصّمت الصَّمت الحميد الذي يجنّب صاحبه الضّرر والوقوع في الأخطاء ويجنّبه الأمور التافهة ، ويكون الصَّمت مذموماً في الأوقات التي يجب على الإنسان التكلّم فيها ، أي من غير الصحيح صمت الفرد عن الحقائق والأمور الضروريّة .
٢ - تعلم فنّ الصمت :
يختلف تعلم لغة الذات بإختلاف استعدادت وقدرات ومهارات الأشخاص ومدى قدرتهم على تعلّم الصَّمت من حيث مستوى وعي الفرد ، ومدى قدرته على احترام الآخرين من حوله وفهمهم ، ومن الممكن أن يُدرّبَ الفرد نفسه على اكتساب مهارة وفنّ الصَّمت ،
من خلال مجموعة من التدريبات :
أ - التدرّب الذاتيّ :
هو تدريب الفرد نفسه على إتقان الصَّمت ، من خلال إتاحته الفرصة المناسبة أمام ذاته ، بالاعتماد على توجيه النَّفس نحو تحقيق أهدافٍ خاصّةٍ بموقفٍ معين ، مثل الحصول على التغذية المرتدة لحدثٍ ما ، ويُساعد ذلك الفرد على امتلاك القدرة المناسبة للصَّمت وبتركيز .
ب - السيطرة على النّفس :
هو التزام الفرد بالصَّمتِ عندما يتحدث مع الاشخاص الّذين يميلون إلى الثرثرة دون ترك الفرصة للطرفِ الآخر في الاستمرار بالكلام ،
ويكون دور الصَّمت هنا هو الحلّ الأمثل لإنهاء هذا الحديث بشكل طبيعيٍ ، وأسلوبٍ لبق بدلاً من محاولة الخوض بالحديث وإضاعة الوقت .
ج - أخذ دور المستمع :
ويكون بالتدريب على البقاء صامتاً ، من خلال تجنّب التعبير عمّا يدور في ذهن الفرد قبل سماع جميع آراء وأفكار الأفراد الآخرين ، ويُنصح بالمحافظة على الالتزام بالصمت لمُدّة يوم ، ويساعد ذلك على تنمية مهارات الاستماع بشكلٍ أفضل .
د - الصَّمتِ عند التعرض للمشكلات المُختلف :
حيث من المفيد عدم التسرع في إعطاء الأحكام ، بل تقييم الوضع الراهن بشكلٍ عقلانيّ وكامل ، ثمّ ياتى الرد كنتيجة لهذا التقييم ، ويُساعد التدريب على تنمية مهارات تجنّب الفرد اتّخاذ قرارات انفعالية مندفعة ، بالإضافة إلى تنمية مهارات حلّ المُشكلات بالخطواتِ المناسبة بعيداً عن التّسرع .
د - التدرّب على الصَّمتِ لأطولِ فترة ممكنة :
يعتبر الصَّمت وسيلةً للحصول على الهدوء في بعض الأحيان ، كما يُساعد على تخفيف التوتر .
ه - استثمار لحظات الصَّمت بالكتابة :
وهو التدرب على الصَّمت من خلال ممارسة نشاط الكتابة ، مثل تدوين المذكرات أو الكتابة في مجلة ، ويُساعد ذلك الفرد على المحافظة على صمته ، كما يصبح أكثر وعياً ويكون أكثر قدرة على التفكير السليم .
و - ممارسة استراتيجيّات التأمل الصَّامت :
هي وسيلة للمحافظة على الهدوء والصَّمت لأطولِ فترةٍ ممكنة ، بالإضافة إلى أن ممارسات التأمل تساعد على الاسترخاء وتصفية الذهن .
ز - سماع الموسيقا :
إن سماع الفرد الموسيقا يُساعد على المحافظة على الإحساس بالهدوء وتنمى القدرة على الصمت لفترة أطول .
٣ - فوائد الصمت :
للصَّمت الكثير من الفوائد التي تظهر نتائجها على الصعيدين الذاتيّ والاجتماعي ومن أهمها :
أ - تنمية مهارات التفكير ، من خلال توجيه قوَّة التفكير والتركيز واستخدامها بعمق في التفاعل العقلانيّ .
ب - فرض احترام الشخص على الآخرين أثناء تعرضه للمواقف الصعبة ، حيث يجنّبه الدّخول في الجدالات التي تولد الأحقاد .
ج - تتيح حُسن الإنصات والاستماع للآخر .
د - الحلّ الأمثل للمشكلات والنزاعات الزوجّية التافهة والبسيطة .
ه - تولد الشعور بالاحباط والغيظ للطرف المهاجم في الحديث ، حيث من الممكن اعتبار الصمت عملية هجوم غير مباشر ، ويكون بذلك أقوى من كلام .
و - إتقان الصَّمت برفقة مجموعة من الإيماءات يُساعد الفرد على التأثير في الشخص الذي يتكلّم معه ، حيث يجعله يتحدث بكلمات أو معلومات أكثر ممّا يريد .
ز - حماية الفرد من الوقوع في الكثير من الأخطار وما يترتب على ذلك من العواقب والتبعات التي تؤثّر سلبيّاً في الشخص .
ح - منح شخصيّة الفرد مزيداً من مميّزات الوقار والحكمة والسكينة .
ط - تساعدة الفرد على فهم ذاته وتاملها ، ممّا يفتح له آفاقه الداخليّة الشخصيّة ، ويتيح له الفرصة لفهمها وحُسن استثمارها .
٤ - مفهوم الذات :
هي مجموعة الافكار والمشاعر والمعتقدات التي يكونها الفرد عن نفسه أو الكيفية التي يدرك بها الفرد نفسه .
٥ - أنواع الذات :بمعنا ان مفهوم الذات هو ادراكات الفرد عن نفسه وعن تفكيره ، وخصائصه الجسمية والعقلية والشخصية ، واتجاهاته نحو نفسه ، واستشعاره لكيفية ادراك الآخرين له وبما يفضل ان يكون عليه .
تقسم الذات إلى ثلاثة أنواع :أ - الذات المدركة ( الواقعية ) :
وهي عبارة عن ادراك الفرد لنفسه على حقيقتها وواقعها وليس كما يرغبها ، ويشمل ادراك الفرد لمظهره وجسمه وقدراته ودوره في الحياة .
ب - الذات الاجتماعية :
وهي عبارة عن المدركات والتصورات المحددة للصورة التي يعتقد الفرد أن الآخرين يتصورونها عنه ، ويتمثلها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين .ج - الذات المثإلية :
٦ - مفهوم الاتصال مع الذات :وهي عبارة عن الحالة التي يرغب الفرد أن يكون عليها في المستقبل .
٧ - طرق الاتصال مع الذات :وهو حديث الفرد مع ذاته حول تصوراته ومدركاته عن قدراته ومشاعره واتجاهاته ومعتقداته في مواقف الحياة المختلفة .
يستخدم الفرد مجموعة من الطرق لكي يتواصل مع ذاته ، ومن أهم هذه الطرق :
أ - الحديث مع الذات :
يظهر الحديث مع الذات عند كل فرد ، وقد يكون إيجابياً أو سلبياً ، فالحديث الذاتي الإيجابي يعود بالفائدة على أداء الفرد في تواصله مع الآخرين ، والحديث الذاتي السلبي يؤثر سلباً على أداء الفرد في تواصله مع الآخرين .
ب - مراجعة الذات :
يقوم الفرد في هذه الطريقة بمراجعة أدائه ومواقفه وخططه من أجل تعديلها أو الإحجام عنها أو الاستمرار فيها ، وينبغي على الفرد مراجعة ذاته ليعرف مدى التقدم نحو تحقيق الأهداف ، ومعرفة أسباب النجاح أو الفشل ، وقد تأخذ مراجعة وتقييم الذات عدة أشكال منها :( ١ ) لوم الذات :
يهدف إلى تأنيب الذات بشكل متكرر بسبب القيام بفعل ما ، وهذا التأنيب يترك أثراً سلبياً في نفس الفرد وفي تواصله مع الآخرين ، بدلاً من الاستفادة من الخطأ وإيجاد الحلول المناسبة له .( ٢ ) نقد الذات:
يهدف إلى الكشف عن مواطن القوة والضعف لدى الفرد أثناء وبعد القيام بعمل معين ، وذلك من أجل تلافي الأخطاء في المرات القادمة ، مما يؤثر إيجاباً في تواصل الفرد مع ذاته والآخرين من حوله .( ٣ ) تعزيز الذات :
ويهدف إلى تحفيز الفرد لذاته للقيام بعمل معين والاستمرار فيه ، وذلك من خلال متابعة عمله وتشجيع نفسه ،
كأن يقول : أنا أقوم بعمل رائع ويجب الاستمرار فيه لكي أحقق شيئاً متميز . وهذا يساعد في تواصل الفرد الإيجابي مع ذاته ومع الآخرين .( ٤ ) تقدير الذات :
٨ - معرفة النفس البشرية :يهدف إلى احترام الفرد لذاته من خلال تقديره لقدراته وإمكاناته ومهاراته ، ويعتقد بأنها ذات قيمه ويجب تقديرها ، الأمر الذي يعكس قبوله لذاته .
يختلف الأفراد في مقدار ما يعرفونه عن أنفسهم ، ومقدار ما يفصحون به عن أنفسهم للآخرين ، ولقد توصل عالما النفس ( جوزيف لوفت ) و ( هاري انجهام ) إلى تصميم نموذج أطلقا عليه إسم نافذة ( جوهاري ) ، قاما فيه بتقسيم النفس/ الذات البشرية إلى أربع مناطق أساسية ،
يوضحها الشكل الاتي:
أ - المنطقة المكشوفة ( المرئية ) :
وهي المعلومات التي يعرفها الفرد عن نفسه ويعرفها الآخرون عنه .ب - المنطقة العمياء :
وهي المعلومات التي لا يعرفها الفرد عن نفسه ، ويعرفها الآخرون عنه .ج - منطقة الأسرار :
وهي المعلومات التي يعرفها الفرد عن نفسه ، ويتعمد إخفاءها عن الآخرين .
د - المنطقة المجهولة :
وهي المعلومات التي لا يعرفها الفرد عن نفسه ولا يعرفها الآخرون عنه .
٩ - الخاتمة :
- الصمت لغة الذات يحملُ في طياتِهِ العديد من الرّسائل والمعاني الحقيقيّة ، كما يعود على صاحبه بالعديد من الفوائد على الصعيدين الشخصيّ والاجتماعيّ ، والشخص الذي يجيد فن الصمت ولغة الذات يتسم بالهدوء يتميّزُ بجاذبيّةٍ فريدة من قِبل الأشخاص المحيطين به ، لأنهم يحاولون دائماً معرفة السبب وراء صمته ، لذلك يمنح الصَّمت أهميّةً كبيرةً للكلام الصادر من الشخص الذي اعتاد النّاس على صمته ، كما يمنح الصَّمت فرصةً للتدبّر والتفكير ، فعندما يصمت الإنسان يستطيع أن يتأملَ البيئة المحيطة به ، وينظر إلى جميع مظاهرها بحكمة ،
كما أن الإسهاب في الكلام يثقل على المستمع ويشتت أفكاره ، وإعطاء لحظات من الصمت يساعد على فهم النفس والآخرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق