الأربعاء، 29 يوليو 2020

النسيان ولغة العقل Forgetfulness and language of mind

 


النسيان ولغة العقل
١ - المقدمة  : 
 لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا ذاكرة فهى التي تنظم حياته وعلاقته بالناس . 
النسيان هو عَدم القدرة على استِرجاع المعلومة عند الحاجة إليها وتكون هذه الحالة فجائية أو بشكل تدريجي ، يساعد النسيان من جهة على ملائمة ربط وتخزين معلومات جديدة مع المعرفة القديمة ، وهو عِلاجٌ فعّال لكثيرٍ من الصّدمات وأزمات الحياة .
يتمّ تَخزين المَعلومات في الذاكرة على شكل شبكاتٍ مُتداخلة حيث توجد في كلّ شبكة مَعلومات تتعلّق بمفهومٍ مُعيّن ، وترتبط هذه الشبكات مع بعضها البعض بعلاقاتٍ مُعيّنة .
عند التفكير في مفهومٍ ما تفتح الشبكة المُتّصلة بالمفهوم والشبكات التي تحتوي على مفاهيم قريبة منه أيضاً .ويَحدث النّسيان عندما يتم قطع هذه الشبكة بسبب حدوث تشويش أو تداخُّل يُضعف القدرة على التركيز ، فعندما يتعرّض الشّخص للتداخّل تنخفض قدرته على تذكر المعلومات حتى خلال فتراتٍ قصيرة جداً من الزّمن .
 
٢ - أقسام وأنواع النسيان :
ا - النسيان :
( ١ ) النسيان السلبي :  
يكون للإنسان دور واضح في إيجاده من خلال عدم تركيزه على المعلومات وسطحية تعامله مع مفردات تفاصيل الحياة فيترتب على ذلك عدم استقرار المعلومات المكتسبة في صفحات تفكيره وبالتالي إصابته بداء النسيان المزمن
( ٢ ) النسيان الإيجابي :  
وهذا النوع خارج عن إرادة الإنسان لأسباب وظروف موضوعية خاصة ومظهر من مظاهر الرحمة الإلهية على الإنسان في حالة الشدائد حيث أن هذا الإنسان لو لم ينسَ هذه الشدائد سيجد صعوبة بالغة في استمراريتها بسبب عدم النسيان . 
 
ب - النسيان المشترك ( التناسي ) :  
أ - التناسي : 
( ١ ) تناسي سلبياً : 
في حالة تظاهر الإنسان بالنسيان وهو في الحقيقة متناس والفرق واضح حيث أن الناسي تكون صورة الشي عنده غائبة بينما المتناسي تكون الصورة عنده حاضرة ولكن لقلة اهتمامه وعدم جديته بالموضوع يصبح بحكم الناسي .
( ٢ ) تناسي إيجابي : 
مثل سلوك العالم مع الجاهل وسلوك الحليم مع الغاضب حيث لا يلتفت لكلام وسلوك الجاهل معه ويتناسى الموضوع ولهذا أشار القرآن الكريم ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) .
 


٣ - منحني النسيان :
أ - إن مجرى التذكر أو الاحتفاظ يمكن تشبيهه بمنحنى ، وأن النسيان يحدث بسرعة كبيرة في أعقاب التعلم مباشرة ومن ثم يأخذ في التباطؤ مع الزمن ، وفي مثل هذا المنحنى يكون عندنا انحدار أولي سريع وله معدل هبوط ثابت مع مرور الزمن  .
وإذا كان منحنى الاحتفاظ متسارعا سلبياً ثم يأخذ في التباطؤ مع مرور الزمن .
فهل يأخذ هذا لمنحنى شكل الخط المستقيم قبل أن تصبح كمية الاحتفاظ صفرا ، او هل النسيان يكون تاماً ؟
ويقول وليم جيمس ( لا يوجد أي شيء نتعلمه يمكن أن يقال بشكل قاطع إنه نسي تماماً ) .
 أن النسيان لا يكون تاماً بالضبط ، فإذا كنا نعني بالنسيان التام عدم وجود بواقي بالمرة لما تم تعلمه .
  فإذا قمنا بعد أن تم لنا تعلم مادة ما إلى مستوى معين بقياس الاحتفاظ وذلك بعد مرور فترة من الزمن ، فإننا قد نجد أن الشخص غير قادر بالمرة على تذكر أي جزء منها ، وأنه غير قادر على التعرف إلى المادة التي كانت مألوفة لديه .
ولكن إذا قام باستعادة حفظ هذه المادة إلى المستوى نفسه السابق ، فإن استعادة الحفظ هذه تأخذ وقتاً أقل من الوقت اللازم للحفظ في المرة الأولى .
 
ب - منحني النسيان عند النوم : 
إن ظاهرة النسيان تتوقف في تأثيرها بعمليات النوم ، إذ أن ساعات النوم التي تلى تعلم خبرة ما تعمل على تثبيت المعرفة والخبرة وتقويمها . 
وتهدد ساعات اليقظة خبرات التعلم التي يراد اختبار مدى تذكرها ، ومرد ذلك وجود عمليات تعلميه متداخلة قد تعطل الخبرات الجديدة ، أو تتداخل بها تدخلا يعيقها كما يظهر في الشكل التالي .
 
 


 
٤ - العوامل التي تؤثر في التذكر والنسيان
إن العديد من التأثيرات يمكن أن تؤثر في التذكر والنسيان إما بشكل إيجابي أو سلبي . 
إن معرفة هذه العوامل يمكن أن يزيد من دوام التعلم بشكل كبير وسنحاول استعراض هذه العوامل فيما يأتي : 
أ - معدل التعلم الأصلي : 
إن الكثير من الأشخاص الذين يزعجهم التعلم السريع الذي يقوم به زملاؤهم الأذكياء في الصف يعزون أنفسهم بالقول : إن ما يتم حفظه بسهولة ينسى بسهولة . 
وهم بهذا يدللون على معدل الحفظ ومعدل النسيان وقد أظهرت كل الدراسات في أن هذا القول خطأ ، وبوجه عام يمكن القول : إنه عندما يكون التعلم سريعاً فإن النسيان يكون بطيئاً والعكس بالعكس . 
إن المتعلم البطيء يمكن أن يكتشف بأن احتفاظه ليس بالمستوى المطلوب ، وبناء على هذه المعرفة فإنه قد ينشغل في الدراسة والتدريب إلى مدد زمنية طويلة ، إن المتعلم البطيء ذا الدافعية الكبيرة قد يبدو له على السطح بأنه يتذكر بطريقة أفضل ، وذلك لكونه يثابر على التدريب بسبب الميل الذي طوره لتعلم أعلى من الحد الذي يحتاج إليه المتعلم العادي من أجل الاستذكار الفعلي .
 وتشير الدراسات إلى أن المتعلمين السريعين يحتفظون بمستوى أكبر مما يحتفظ به المتعلمون البطيئون فيما يتصل بالمواد الفكرية ( سواء كانت ذات معنى أم لا ) ومحتوى الصور التي تعرض عليهم وسلاسل الأرقام التي تعلم لهم او أي نوع آخر من المواد التعليمية . 
وهناك سببان وراء هذه العلاقة الإيجابية بين التعلم والاحتفاظ . 
( ١ ) أنه كلما كان المتعلمون أكثر نضجا وذكاء وخبرة فإنهم يتعلمون بسرعة ملحوظة ويحتفظون بمستوى أكبر ، وذلك اعتماداً على أن التعلم والحفظ مظهران من الذكاء  وأن التعلم والتذكر هي من عوامل الذكاء ، وأن أحدهما يسبب الآخر .
 
( ٢ ) أننا لا نتعامل مع شيئين اثنين ، ولكن مع جانبين للشيء الواحد نفسه . 
إن التعلم والتذكر يفترض كل منهما وجود الآخر ، وأن أي فصل بين الاثنين هو عمل اصطناعي .
 
ب - مستوى التعلم الأصلي :
إذا كان النسيان يبدأ حالما ينتهي التعلم وأنه يكون سريعاً في البداية ، وانه من أجل التذكر بعد فترة من الزمن فإن التعلم يجب أن يتعدى المستوى الأدنى المطلوب لحصول عملية التذكر ، وأن التذكر يكون أجود في حالة الأعمال التي يتم تعلمها بشكل جيد .
ففي مجال المهارات الحركية وطرق عمل الأشياء ،
فقد تبين أن الاحتفاظ يتناسب إيجابياً مع المستوى الأولي لتلك المهارة وتطوره ، وهذا يعني أنه لضمان احتفاظ و التذكر جيدين بعد مرور زمن ما على التعلم فإن هناك حاجة لأن يتم التعلم بشكل زائد عن الحد .
وفي دراسة أخرى تم فيها استخدام كميات زائدة من التعلم فوق الحد المعتاد . فقد وجد أن هذا التعلم إذا تعدى حداً معيناً فإن مردوده يصبح قليلاً . 
مثل إذا كان التعلم الزائد  بنسبة ١٠٠ % هي المطلوبة لإعادة المادة المتعلمة دون أخطاء . وقد أظهرت الدراسة أن الكمية المحتفظ بها تتناسب مع عدد المحاولات خلال هذا المدى . ولكن الزيادة بين المستويين ( ١٠٠ % - ١٥٠ % ) كانت أعلى من الزيادة بين المستويين ( ١٥٠ % - ٢٠٠ % ) .
وهذا يدل على أن الفائدة العملية تأخذ في التناقص عندما تكون مستويات الإعادة أو التعلم الزائدة عالية .
 

 
إن التعلم الزائد مرتبط مع مبدأ التعلم المكثف والموزع ، فعندما تكون المحاولات مكثفة . فإن التذكر يكون أقل مما هو عليه عندما تكون المحاولات متباعدة وعلى فترات زمنية مختلفة . وأفضل سبيل للوصول إلى ذلك هو الانتهاء من تعلم المادة لأول مرة ، ومن ثم معادوة تعلمه في فترات زمنية متباعدة . أي أن تتم الإعادة على شكل تدريب موزع وليس على شكل تدريب مكثف .
وفي دراسة أخرى تم إجراؤها لتحديد تأثير المراجعات المنتظمة على فترات زمنية متباعدة بعد التعلم الأولى التام ، والتي أكدت أن المراجعة التي تأتي في أعقاب التعلم الأصلي مباشرة قد تقلل من النسيان السريع الذي يحصل في العادة بعد التدريب مباشرة .
وأن الاحتفاظ يمكن إبقاؤه على مستوى مرتفع عن طريق حسن توزيع المراجعات ، وبوجه عام فإنه يبدو أن المراجعات المتباعدة نوعاً ما تزيد من مستوى الاحتفاظ .

ج - درجة المعنى في المادة :
إن الشعر يتم حفظه بسهولة أكثر من النثر ، كما أن النثر يتم تذكره بسهولة أكبر من الكلمات التي لا روابط بينهما ، وأسهل من المقاطع عديمة المعنى ، لإن تذكر المقاطع عديمة المعنى يعتمد على القيمة الترابطية بينهما .
إن الفروق السابقة كلها تشير إلى أن وجود الروابط الداخلية ، وتنظيم المادة المتعلمة وصلتها بالمتعلم نفسه ليس فقط أنها تسهل التعلم ولكنها أيضًا مفيدة وتساعد على الاحتفاظ الجيد .
 
 


د - تأثير التعلم في التذكر :
إن التعلم من مرحلة ما قبل المدرسة وصولا إلى مرحلة الجامعات يتضمن كم من المفاهيم والمحتوى الدراسي الذي يحصل عليه الطالب ، وإن الاحتفاظ يكون أعلى في حالة المفاهيم العامة والمعاني العريضة والتفسيرات منه في حالة الحقائق العلمية واللفظية .
إن المستوى الأفضل للاحتفاظ في حالة المفاهيم العامة والمبادئ العريضة قد تعود إلى المعنى  الموجود في هذه المواد . إن المفاهيم العريضة تعرف على أنها مواد ذات معان محددة . وقد تكون ذات معان محددة كما أنها قد تكون لفظية . وقد يجري تعلمها عن ظهر قلب دون فهم صحيح لها .
 
هـ - العلاقة بين المعنى والتذكر : 
فعندما تقول إن مادة ما هي ذات معنى فإن ذلك يعني أن تعلماً سابقًا قد حصل لجعلها كذلك ، إنه من الصعب إجراء عملية ضبط المعنى والحصول على معلومات دقيقة لدور المعنى في الاحتفاظ .
وجدت العديد من الدراسات على النسيان أن مستوى تذكر بعض الأجزاء من المواد اللفظية التي سبق تعلمها ينزل أو يهبط إلى حد معين . 
ويمكن القول أن المادة ذات المعنى يتم الاحتفاظ بها أكثر من قبل الطلاب إذا ما قيست بالمادة عديمة المعني ، وهذا قد يعني أن عوامل أخرى مثل التعلم الأولى قد تكون فعالة ، الأمر الذي ينتج عنه احتفاظ أفضل للمواد ذات المعنى .
 
 
 
و - تأثير الهدف عند المتعلم في التذكر :
إن مستوى العزم ( الهدف ) عند المتعلم على أن يتعلم يؤثر في مستوى الاحتفاظ وكذلك على معدل التعلم الأصلي ، فعندما يتم التعلم وذلك بوجود عزم للاستذكار بعد فترة زمنية معينة فإن فروقا في صالح الاستذكار في الوقت المتوافق مع العزم الأصلي تظهر ، إلا أن توقع المتعلم أو وضعه النفسي يؤثر في كل من معدل التعلم ومعدل الاحتفاظ .
 
ح - التدريب الموزع في مقابل التدريب المكثف :
إن توزيع مرات التدريب يؤثر في مستوى الاحتفاظ أكثر من تأثيره في مستوى التعلم الأولى ،
من أجل الحفظ طويل المدى فإن توزيع التدريب يكون أفضل ، حيث أن قراءة المادة مرة واحدة في اليوم على خمسة أيام قد أعطى احتفاظا يساوى ( ٣ ) أضعاف ما أعطاه قراءتها ( ٥ ) مرات متتالية وذلك بعد ( ٤ ) أسابيع من الانتهاء من عملية التعلم .
 
ط - اختبار الفرد لنفسه :
إن قراءة المادة التعليمة ومحاولة المتعلم تسميعها في أعقاب ذلك أكثر جدوى من تكرار قراءتها مرة بعد أخرى ، وقد يعود السبب في ذلك لتوفير الأمرين الآتيين:
( ١ ) وجود النية والمثابرة عند المتعلمين .
( ٢ ) التدريب على الشيء الذي يراد القيام به عندما ينتهي التعلم .
فعندما يقرأ المتعلم مادة ويعرف أنه عليه أن يستذكرها في أعقاب القراءة مباشرة ، فإن ذلك يجعله يقرأها بنشاط ويقظة وبالتالي يؤدي ذلك إلى احتفاظ أفضل مما لو أنه اكتفى بإعادة قراءتها عددا من المرات ، في الحالة الأولى يكون أكثر نشاطا من الحالة الثانية لأنه يكون عازما على التعلم ومهيأ للاحتفاظ الدائم ولإن وجود اليقظة والعزم عند المتعلم يسهل الاحتفاظ .

٥ - أنواع الذاكرة :
إن أهمية معرفة أنواع الذاكرة التي يوظفها المتعلم يمكن أن يساعد في التخطيط لاستخدام أكثر من نوع للذاكرة وإن توظيف أكثر من صورة للذاكرة في مواقف التعلم يتيح فرصة أكبر لأن يعمل الذهن وفق مخططات أكثر وأن هذا يزيد من كمية المخزون الخبراتي من كمية المعلومات التي يتم تذكرها عند الحاجة إليها .
 
أ - الذاكرة الحسية للأشياء الملموسة :
وتتعلق هذه الذاكرة بما يشكل مدخلات الحواس المفترضة إنها قنوات المعرفة .
( ١ ) وتتضمن قنوات المعرفة : 
(  أ  ) ذاكرة بصرية ( ايقونية ) .
( ب ) ذاكرة سمعية . 
( ج ) وذاكرة لمسية . 
( د ) وذاكرة شمية . 
هـ ) وذاكرة ذوقية .
ويفترض أن الذاكرة الحسية عملية مسئولة عن التسجيل الحسي والتي عن طريقها تدخل المعلومات إلى جهاز التوجه المعرفي في تفسير التذكر . 
الذاكرة الإيقونية التي يتم فيها تخزين الصور على صورة تطابق الواقع .
( ٢ ) خصائص الذاكرة الايقونية :
(  أ  ) سعة غير محدودة لاستقبال الخبرات الحسية .
( ب ) نسيان سريع للمعلومات .
( ج ) الحاجة للمعني للمعلومات والخبرات .
 
 

ب - الذاكرة اللفظية المنطقية :
وتزود هذه الذاكرة بأنظمة مفاهيمية متعددة، وتتطور ذاكرة المعاني بزيادة مجالات الذاكرة اللفظية، وتزود هذه الذاكرة آلة التفكير باللغة أو الكلمات والرموز التي تساعد المتعلم على التعبير.
 
ج - الذاكرة الحركية :
تتمثل هذه الذاكرة باكتساب نماذج الحركة ، ويمثل تعلم العادات والمهارات الحركية ، وتصورات عضلية حركية لإنتاج حركة معينة .  
وتتضمن نماذج الحركة واستدعائها : 
التصورات العضلية الحركية لشكل الحركة ( سرعتها - مقدارها - سعتها - تتابعها - إيقاعها ) .
 
د - الذاكرة الانفعالية :
وتتضمن استرجاع معلومات مرتبطة بانفعالات إيجابية أو سلبية ، مثل خبرات الخوف أو الخبرات المؤلمة .
 
هـ - الذاكرة الإرادية :
وهي الذاكرة المعنية بتحقيق هدف معين مثل توجيه الانتباه لتذكر معلومات متعلقة بالإجابة عن سؤال في الاختبار ، وهي ذاكرة ذات قيمة خاضعة للتدريب والتطوير ، إذ أن هذه الذاكرة تسهم في جعل عملية التذكر عملية واعية موجهة نحو الهدف وتتطلب عادة جهدا ذهنيا، ودافعية بهدف زيادة التحصيل .
 
و - الذاكرة اللاإرادية :
وتقوم فيها ميكانزمات آلية في الذهن في استحضار بعض الخبرات من أجل تحقيق حاجة غير واعية لدى المتعلم ، وأن هذه الخبرات قد تكون ذات فوائد تكيفية . 
ويغلب على المتعلم السرحان في هذه الحالات ، وتعوق هذه الذاكرة أحيانا التعلم ، إذ تسحبه من موقف هادف يحكم السلوك إلى موقف عشوائي غير هادف ، لأن زيادة سيطرة هذه الذاكرة على شعور ولا شعور المتعلم تقلل من فاعلية تعلمه وضبطه للذاكرة والعمل الذهني وتزيد من كمية الفاقد الذي يحتاج إليه المتعلم .
 
٦ - مستويات التذكر
أ - الذاكرة الفورية :
يدخل ضمن هذه الذاكرة، الذاكرة الحسية من مثل الصور البعدية التي تبقى لدينا فورا بعد إغماض العين عن شيء كنا نراه ، وتختفي بأقل من ثانية إن لم يتم العمل عليها من أجل تحويلها إلى التذكر قصير المدى عن طريق زيادة الانتباه ، وتحدد عملية الانتباه كذلك مستوى المعالجة لارتباطها بهدف المتعلم ودوافعه لما ينتبه له من منبهات حسبة فورية .
 
ب - الذاكرة قصيرة المدى ( الذاكرة العامة ) :
يستقبل مخزون الذاكرة قصيرة المدى عددا محدودا من فقرات المواد ، يتم استقبالها لفترة مؤقتة وأن المعلومات أو الرسائل يتم تلاشيها وفقدانها في مدة زمنية تتراوح بين ( ١٥ - ٣٠ ) ثانية .  
ويتم احتفاظ هذه المواد عن طريق التسميع الذهني الذاتي أو التكرار ، مثل تكرار وتسميع رقم تليفون منذ لحظة سماعه حتى لحظة طلب الرقم .
 وظائف الذاكرة قصيرة المدى :
( ١ ) التخزين المؤقت لكمية من المادة لفترة مؤقتة .
( ٢ ) تحويل الخبرات والمعلومات إلى مستوى الذاكرة طويلة المدى لتسجيله تسجيلا أكثر استمرارا .
( ٣ ) استرجاع الخبرات والبيانات من مستوى التذكر طويل المدى .

ج - الذاكرة طويلة المدى :
يتم في هذه الذاكرة استدعاء عدد كبير من المعلومات لفترة زمنية طويلة ممتدة من ساعات إلى سنوات .
وتتم عملية استرجاع المواد من الذاكرة طويلة المدى من خلال أن الأفراد يميلون إلى إحداث نوع من الربط بين الأشياء التي تتم ويقومون بملء التفاصيل من التخمينات المنطقية ، وتبدأ عادة باستجابات محددة غير دقيقة .  
فالمعلومات أو المدخلات تدخل عن طريق الحواس المختلفة إلى الذاكرة الحسية وتدخل على صورة أشياء محسوسة ، يكونها الذهن ويضيف بعض الإضافات على المدخل حتى تكون قابلة للمعالجة البسيطة ، ليتم تحويله إلى الذاكرة قصيرة المدى ، ويقوم المتعلم بعملية التدريب أو التسميع حتى يتسني له نقلها إلى مستوى أعمق من عمليات التذكر ، بأن يضيف عليها معالجة ذهنية من مستوى أعمق من السابقة .
أما الخطورة التي تهدد سلامة هذه العملية، فهي العمليات الذهنية التي يقل فيها تركيز المتعلم ( الانتباه والمعالجة ) .
مثل نقل الشائعات وانتقالها بين الأفراد التي يصحبها عادة عملية تمثيل تؤدي إلى إبراز بعض التفاصيل أو إخفاء بعضها الآخر ، فمع أن الموضوع الرئيس غالبا يظل موجودا فإن الأفراد يضيفون عليه ويحذفون منه، بطريقة تجعل الموضوع متماسكا ومصقولا ، مع تكثيف وذكر عدد من التفاصيل أحيانا وتمثل الموضوع وفقا للحاجات والدوافع والتوقعات والاهتمامات .
 
٧ - التغيرات النوعية ( الديناميكية ) في الذاكرة
من خلال تفحص المرء لخبراته يجد أن التذكر ليس ببساطة مجرد استعادة الأشياء التي تم تعلمها  وأن ذاكرتنا للأحداث غير تامة ، ففي بعض الأحيان يخيل إلينا أننا نعرف ولكننا لا نستطيع أن تتذكر حيث أن ذاكرتنا في بعض الأوقات تكون مشوهة وفي أحيان أخرى غير دقيقة .

 
 
أ - على ظهر اللسان ( على طرف لساني ) :
كثيرا ما نمر بخبرة من النوع الذي نحاول  تذكرها اسم شخص أو كلمة معينة ، ولكننا لا نستطيع ذلك في تلك اللحظة مع أننا نكون متأكدين أننا نعرف ذلك الاسم أو تلك الكلمة ، إن الفرد يشعر بأن الاستجابة المطلوبة هي ( على طرف لساني ) . 
إن حقيقة كون الكلمة معروفة هي إمكانية تذكرها أو التعرف إليها في أوقات لاحقة، إن الفشل المؤقت لاسترجاع  شيء معروف ظاهرة أطلق عليها اسم ( على ظهر اللسان ) .
إن الناس في مثل هذه الحالة يتضايقون بسبب عدم قدرتهم على التذكر ويظهرون محاولة جديدة للبحث عن الكلمة المناسبة ، وعندما يقومون بذلك فإنهم يخرجون باستجابات غير صحيحة وبالتالي يهجرونها.
 
ب - التشويه في عملية التذكر :
إذا قرأت أو رأيت شيئا ما وطلب إليك القيام بعملية استرجاع له في وقت لاحق ، فإن نوعين من التغير يمكن أن يحدثا . 
- التذكر سيكون أقل فأقل مع الزمن .
- ما يصيب المادة المحفوظة من تحليل وتفكيك ويفقد الصفات المميزة له ، وهذا التغير غالبا ما يأخذ شكل الانتقال إلى مزيد من التبسيط والانتظام .
 
ج - عملية التجميع :
هذا يعني الاختيار والاحتفاظ ببعض المزايا والصفات والبنود بالإضافة إلى صفات غير موجودة في الأصل . 
إن عمليات الاختيار والحذف والإضافة تمثل إنتاج شكل أكثر الفة وبالتالي فهم أكثر ، ولدرجة ما فإن الخبرة الأساسية تمر في عملية إعادة تركيب وتنظيم واختزال حتى تصبح في شكل أو نموذج أو فئة يسهل التعامل معها من قبل المتعلم ، وتجعله أيضا قادرا على تجديد الخصائص المميزة لكل منها .  
 والاسترجاع بعد مرور وقت طويل لا يكون به كل التشويهات التي أدخلها الفرد عليها عند استرجاعه لها في أعقاب رؤيتها للمرة الأولى .
كما أن الأشياء التي تتفق مع قيم ومعتقدات وأساليب الفرد يمكن تذكرها بسهولة أكبر من تلك التي تعتبر محايدة ، كما أن تذكر المواد المحايدة يكون أعلى من تذكر المواد المخالفة .
ولذلك يكون النسيان والاحتفاظ مرتبطان بشكل ديناميكي بعواطف الفرد وتوقعاته وإطاراته المرجعية العامة . 
 

 
د - النقص في الظروف الأثارية المناسبة :
إن كل شيء يتم تعلمه في ظل موقف معين ، وهذا يعني أن المعلومات أو المهارات يتم تعلمها في جو عام خاص بها ، كما أن استعادة هذه المعلومات أو المهارات يعتمد على تقديم المثير المناسب لإحداثها ، وبما أن الاستجابة المطلوبة تكون لدرجة ما مشروطة لكل المثيرات التي كانت موجودة وقت التعلم الأصلي ، فإن تغيير الظروف التي كانت سائدة وقت التعلم الأصلي يقلل من احتمال إعادة الاستجابة نفسها .
هذا وإن الكثير من عدم قدرتنا على الاستعادة في وقت معين أو في موقف معين سببه غياب المثير المناسب والمطلوب لإحداث التذكر وليس بسبب وجود نقص في قدرتنا على التذكر نفسه . 
إن عملية التذكر يمكن تسهيلها وذلك نتيجة الحافظ على المثيرات التي كانت موجودة وقت حدوث التعلم الأصلي وإن درجة استدعاء المادة المتعلمة يتأثر بدرجة وجود أي عامل بيني له ارتباط بالتعلم الأصلي .
 
هـ - المشاركة الذاتية :
يرتبط دوام التعلم  ارتباطا إيجابيا مع درجة المشاركة الذاتية للمتعلم فيما يقوم بتعلمه ،  وذلك بسبب أن للنشاط الذاتي فوائد في التخطيط وفي عمليات التدريب .
إن انخفاض مستوى درجة المشاركة الذاتية من المحتمل أن تكون هي المتغير الأساس المسؤول عن حالة الاحتفاظ الضعيف الموجودة عند الاشخاص الذين يوجهون من قبل الآخرين على تعلم أكبر قدر ممكن من المواد التي تقدم لهم .
إن الاستذكار في حالة المواقف التي تكون فيها مشاركة من قبل المتعلم يكون هناك علاقة قوية بين الاستدعاء والمشاركة الذاتية .
 

٨ - إستراتيجية
 تحسين التذكر :
من الضروري البحث عن الأساليب التي تحسن ذاكرة المتعلم طويلة المدى وإيجاد الإستراتجيات المناسبة التي تسهل التذكر وتحسن التحصيل . 
أ - زيادة مدى الانتباه في موضوع التعلم .
ب - توفير عناصر التشويق .
ج - توضيح الهدف من التعليم .
د - تقليل التجريدات في الخبرات .
هـ - توظيف الحواس وبالذات الحاسة البصرية .
و - تقليل المشتتات والضجة .
ز - توفير المعني والتنظيم في الخبرات المقدمة .
ح - تقديم ونمذجة مساعدات التذكر المتعددة .
ط - تشجيع بذل الجهد من قبل الطلبة ومشاركتهم في التعلم .
ي - توضيح العلاقات المفاهيمية بين ما يتم عرضه من مفاهيم .
 
 

أ - الاستقرار الانفعالي فكلما كانت الخبرة المكتسبة سارة كان احتفاظها أقوى ومقاومتها للنسيان أكبر ، الخبرة السارة تدوم على سطح الشعور عكس الخبرة المؤلمة يسهل نسيانها ، ويكون انحدار تذكرها أسرع وتنقل إلى منطقة اللاشعور الخفي الغامض . 
ب - التفاصيل المبعثرة التي تقل فيها العلاقة بالموضوع الكلي يصعب تذكرها ، تدوم الأفكار الكلية (عموميات الموضوع أو المعرفة) في الذاكرة وتزداد مقاومتها للتحلل والانحدار .
وأن الأطفال أقل قدرة على استخدام الطريق الكلية من البالغين .
ج - أن المهمات الطويلة تتطلب تدريباً موزعا لأنه يوفر درجة أعلى من الاحتفاظ وأقل نسبة في النسيان ، والطريقة الجزئية أصلح للمادة الطويلة أو الصعبة  والتمرين في المراحل الأولى أفيد له الطريقة الجزئية .
د - كلما زاد استخدام الفرد للغة عند التذكر زاد انتباهه وتركيزه .
هـ - يعتمد الحفظ على القدرة على الربط بين مواقف الحاضر مواقف الخبرات السابقة .
 
١٠ - الخاتمة :
ويمكن تلخيص اهم العوامل المؤثرة في الاحتفاظ 
أ - يتدني احتفاظ المتعلم للخبرة إذا كانت الخبرة ليست بذات معني لدى المتعلم .
ب - تضيف عملية الاحتفاظ بعد اكتسابها مباشرة وتزداد مقاومتها للتلاشي كلما تخللتها فترة زمنية على الاكتساب .
ج - يتم احتفاظ الخبرة الكلية أكثر من التفاصيل .
د  - يميل الفرد إلى احتفاظ الخبرات السارة ويزداد الاحتفاظ بها على المستوى الشعوري.
هـ - يساعد التعلم على فترات في حفظ المعلومات واكتسابها وتخزينها أكبر من التعليم المركز .
و - الأطفال أقل قدرة في تعلمهم على استخدام الطريقة الكلية من الكبار .
ز - استخدام الطريقة الجزئية في حالة تعلم خبرة طويلة يساعد على الاحتفاظ بها لمدة أطول وتخزينها أدوم .
ح - عندما تكون الخبرة جيدة يتفوق التعلم الجزئي على أي طريقة أخرى من طرق التعلم .
ط - كلما زاد استخدام الفرد للغة وربطها بمساعدات التذكر فإن ذلك يساعده على تذكرها ، ويزيد انتباهه للخبرات المرتبطة بها .
ى - معرفة المتعلم لمدى تذكره ومدى تقدمه يساعده على الاحتفاظ والتذكر للمادة المتعلمة .
ك - التطبيق المباشر واستخدام الخبرات الذاتية في تطبيق ما تم تعلمه يسهل عملية التعلم والتذكر والاحتفاظ والتخزين .
ل - عامل التوجيه الذهني يساعد على التذكر ويقصد به تركيز الانتباه إلى الخبرة المراد تذكرها .
م - عامل الاسترخاء وعدم بذل الجهد يساعد في بعض الحالات على التذكر ، حيث إن الاسترخاء يتيح الفرصة للمنسي من الخبرات أن ينساب إلى الذهن حيث يكون الاسترخاء بمثابة أضعاف لمقاومة التذكر وتقوية الحاجة إلى تذكر تلك الخبرة .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 تنمية مهارات إدارة العلاقات Development of relationship management skills

تنمية مهارات إدارة العلاقات     أولا - المقدمة : إدارة العلاقات الإنسانية فن ومهارة وجزء كبير منها يتم بالفطرة إلا أنه لتحقيق تعامل مثمر مع ...